عزيزي يا صاحب الظل الطويل || تخاطب قلبي أغنية
عزيزي يا صاحب الظل الطويل، هنالك أمورٌ مُلهمة كثيرة في هذا العالم رُغم ما به من شرور وأحزان، والاستلهام هِبة تُمنح لأصحاب القلوب الباحثة عنه المُستسلمة للمشاعر الجميلة وغير الجميلة والتي تُمنح من البشر وما يعلوهم وما يدنوهم، ولأصحاب العقول النيّرة التي لا تقبل أحادية الفِكر وزاوية النّظر الواحدة، كثيرة التفكّر والتأمّل، المتحريّة للحقيقة المُتّبعة لمبدأ
"الحكمة ضالّة المؤمن حيث وجدها فهو أحقّ بها".
الإلهام أمرٌ جميل، مُثيرٌ للأفكار وكذا المشاعر، والأفكار كنوز تزن ثروات، وهنا أتذكّر قول أحد مشائخي الكِرام حينما قال مرّة: "رُبّ فكرة أحيَت أُمّة"
أتفق تمامًا، وكذلك رُبّ فكرة أماتت أُمة وأطاحت بها أرضًا، وبين الفكرتين يكمن الفرق في التنفيذ والكثير منه، والإخفاق والكثير منه، والإصلاح والكثير منه كذلك.. حتى تكون هذه الفكرة، مُحيية أو مميتة!
وكل ما نملكه الآن من ممتلكات، أو ما نحمله من معانٍ معنوية، أو ما نعيشه من مشاعر، أو ما نطمح إليه، أو ما نحاول الهروب منه، أو ما نعمل لأجله، أو ما يرهقنا ويقلق قلوبنا.. كلها أفكار.. ويا لتأثير الفكرة على قلب الواحد منّا!
وما أنا إلى فتاة تحبّ التفكير، كما تحب المشاعر، ولا أراهما إلا أنّهما مكملتين لبعضهما البعض، يترافقان، يحمي الواحد منهما الآخر.. فتراني إما أقدس أفكاري، أطرحها، أناقشها، أشاركها مع من يفهمني فيقوّمها إن احتاجت التقويم، ويحبّ الرائع منها فيساعدني في تحقيق ما يمكن تحقيقه منها، وتعزيز ما يمكن تعزيزه..
وإمّا أفرّ هربا من الكثير منها، كحُمر مستنفرة فرّت من قسورة، لأنها تخيفني!
الفكرة ربما تتولد بسبب شخصٍ تقابله مرة، فيغيّر فيك فكرة إلى الأبد، أو بسبب عبارة حائطية كتبها متمرّد عبرت بها، نَسَوك كل من كان هناك: الحائط والشارع والشجرة المنتصبة جانبا. ولكنّك لم تنسى العبارة، الفكرة ربما تتولد بنقاشٍ دار بينك وبين شخص تمقته لشخصه فتكتشف أن أفكاره تستحق أن تُمنح فرصة، فيتبدد المقت! والفكرة كذلك تتولّد من مقطوعة موسيقية، وأغنية كتبها مُضطهد، ومشهد لعجوزٍ مُسن يلتقت صورة لزوجته المُسنّة أمام الساحل، تقف هي بسعادة وطفولة قلب تبستم حبًا له، ويقف هو متأملها بحُبّ ناظرًا لها كما لو أنّه يراها أول مرة، فيخلق هذا المشهد العابر - الذي لا يعيره الكثير أي أهمية - فكرة جديدة كليًا في عقلك، وهو أنّ للحبّ الحقيقي فرصة الاستمرارية حتى المشيب!
صديقي، ما دفعني لكتابة كل هذا هو أنّي كنت أستمع لأغنية من إنتاج فرقة أحبّها، أحبّ فنّها لأنّه مصقولٌ بأفكار ومشاعر وحب وواقع وصعاب وآلام ومعضلات، فرقة تحمل رسائل هادفة، وأفكارٍ تستحق التأمل والكثير منه..
يستطرد أمير في إحدى المقاطع، وكأنّه يحادثني، أو يتحدث عن خلجاتي، قائلًا:
ساعات بحس إني وحيد وخايف
ماشي في طريق عكس الطريق
لكني شايف وعارف
شايف طريقي أخره نور
ومش أنا اللي أعيش مكسور
ولو ما وصلتش برضو عادي
أعيش حياتي وأفضل راضي
يبدأ بفكرة فيها بعض الأسى، والتساؤلات معدومة الإجابة، تُحادث نفسُهُ نفسَه بأنه ربما يكون وحيدًا، خائفًا، مرتبكًا، يمضي في طريق يجهل مآله، ولكنّه آنيًا بثقة وإيمان يُخبر أنّه يرى نورًا في آخر النفق! ويشجّع نفسه وأنا قائلًا: "ومش أنا اللي أعيش مكسور" مُدلًّا على أن الطريق غير المعتاد، المختلف، المليء بالتحديات والشوك والحصى والأزمات والكسور وإن كان آخره نورٌ فإنّه ليس بمُعبَّد!
ثم يستطرد، وكأنّه يجيب تساؤلًا مُلحًّا داهمه فجأة:
ماذا لو لم تصل؟ ماذا لو كان هذا النور مجرد سراب؟
فيُجيب: "ولو ما وصلتش برضو عادي"
لا بأس باللا وصول، الرحلة جميلة، وكانت تستحق كل هذا العناء، فأن تحاول دون الوصول إلى مبتغاك أرحم بمراحلٍ من عدم المحاولة أصلا.
ثم يُضيف آخيرًا قائلًا: "أعيش حياتي وأفضل راضي".
وهنا يغيّر لنا فكرة، بأن الحياة وما نعيشه لا يتوقف ولن يتوقّف على حلم ضاع وإن سعينا كثيراً لأجله، والرضا دائمًا هو المفتاح لكل خير، الرضا بغير المُراد ثقيل على النفس، ولكنّه الحل الأوحد، فالأمر نافذ، إما ترضى فلك الرضا، وإما تسخط فلك السخط!
عزيزي يا صاحب الظل الطويل، أحط نفسك وعقلك وأفكارك بكل ماهو بإمكانه أن يلهمك الإلهام المُنتِج، أشخاص، كتب، فنون، طبيعة والكثير من مثيرات المشاعر الجميلة، وتعلّم السعي بالتوازي مع الرضا والامتنان وحبّ الحياة دونما نسيان الغاية منها.
تعلم أن حديثًا بيننا لا ينقطع، كُن بخير