في عيدهم المزعوم




 في عيدهم المزعوم، وفي ظل اللهث الأعمى خلف الشعارات الغربية والتنازلات المُقدّمة مُقابل بضع مظاهر نحاول بها أن لا نشعر بغُربة الوجود - أقول: 

إن الواحد منّا مجبولة فطرته على الحُب، منذ حضن الأم الأوّل، وآذان الأب بـ "الله أكبر" في أذن صغيره، منذ قبلة ترسمها جدة على جبين حفيدها مرورًا بقصائد كُتِبت في الحُب، أغانٍ غُنيّت في الحب، فنون وألوان ومشاهد وروايات في الحب.. يحبّها ذاك الإنسان.. يشعر كما لو أنّها وُجّهت له حانيةً على قلبه.. وصولًا لأن يشعر بشيء ما يفقده، لا يعرفه، لا يتذكّره، فقط يُدرك فقده له.. وربّما يدعو: 
"اللهم يا جامع الناس اجمع بيني وبين ضالّتي".
 ضالّته التي لا يعرفها حتى! 
 
ثم فجأة، يجدها فيقول: ها قد وجدت جزءًا منّي ضاع في متاهات الحياة وبين أزّقتها وسماءها وأرضها، بحرها وجبالها.. وهنا مُفترق الطرق.. بعد هذا الإيجاد العظيم، الذي دقّ قلبه ولأوّل مرة لأجله يُحَدد مصير هذا الإنسان: 
إما أن يهنأ بعدها فيُدندن لأمّ كلثوم بنشوة وسعادة قائلًا: 
"صالحت بيك أيامي، سامحت ببك الزمن"

أو أن يُردد أبيات قصيدة مجهولٌ كاتبها: 
"ولي حزنُ يعقوبٍ ووحشةُ يونسٍ
وآلامُ أيوبٍ وحَسرةُ آدمِ" 

وأيّهما، إنما هو اجتهاد ومحظ توفيق..


وفي ظل التشويه الحاصل في العالم اليوم، وبعدما فقدت المشاعر القيّمة قيمتها الحقيقية، وطغت التوافه على كل مظاهر حياتنا، فقد شُوّهت المشاعر، وقُدّست الملذّات اللحظية.. وأصبح هنالك من يسمّي حالة حبّه لأحدهم بحالة "الوقوع في الحُب"، ولا أرى هذه العبارة إلا أنّها عبارة سمجة، مُترجَمة حرفيًا من ثقافة غربية، تُعامل الحُب على أنّه سقوطٌ ووقوع مُجرّد من أيّةِ قِيَم ومبادئٍ.

فترى هذه تخسر نفسها وحياتها مُقابل أن تُحَبّ مِن قبل مَن لا يفقه في الحُبّ سوى إشباعِ عاطفته الأنانية، وذاك يُدمن المُسكِرات لينسى حبيبته النّاسيَة له لمجرّد أنها قد قابلت من هو أثرى منه، أو من يملك عينان أجمل! 

وأنا أقول هنا: لا يوجد ما يُسمّى الوقوع في الحُب.

الحُب شعورٌ سامٍ، مُقدّس، عظيم، فكيف لمُحبٍّ أن يقع؟! وكيف لمُحبِّ أن يُوقِع حبيبه أو أن يرضى له الوقوع؟

ولست أنا من منحت هذا الشعور كل تلك القيمة، إنّما خالقُ الحُبّ علّمنا بأن كل ما يكون سببًا لسقوطنا وحزننا وألمنا هو بالطبع لا يليق بقلوبنا، فترى الشّرع يُمهّد لنا طريق الحُب، وكأنّه يقول: إن لم يكن الحب لله، وفي الله، وبالله فالأجدر به أن لا يكونَ! وإن لم يكُن مُحبّك آخذٌ بيدك خطوة أقرب لله فهو ليسَ بمُحبّ، وإن لم تأخذ بيد حبيبك لما هو أنفعَ لدينه ودُنياه فأنتَ ظالمٌ له.. وما أشدّ الظلم! 


وهذا رسول الحُب عليه أزكى الصلاة وأتمّ التسليم، عن زوجه خديجة - رضي الله عنها وأرضاها ورزقنا طهرها وحِكمتها - يقول: "إنّي رُزقت حبّها" وهي أوّل من ركض إلى حضنها هائِبًا، لها قائلًا: زمّلوني، زمّلوني! بعد مشهد الوحي المُهيب ذاك! فكانت هي مُحتويّة له، حانيةً على قلبه، قائلة بثقة وحُب: "كلا لن يُضيعك الله أبدًا".

وها هو - حبيبي رسول الله - يُسابق ركضًا عائشة - رضي الله عنها - مُدخلًا السرور لقلبها طفلة الرّوح، عالِمة العقل، كثيرة الحكمة..

يُناديها محبّةً ب "عويش" و "عائش"، ويقول لها: حُبّي لك كعُقدة في حبل، فتضحك هي، ثم كلّما مرّت عليه سألته: كيف هي العُقدة يا رسول الله؟، فيقول: كما هي! 

وفي حين غضبها يضع يده على كفّها داعيًا: اللهم اغفر لها ذنبها، واذهب غيظ قلبها..

وكان يقول: لا تؤذوني في عائشة!

والكثير والكثير من مشاهد ومظاهر الحُب في حياتهم العظيمة، فكيف لهذا الحب أن يكون وقوعًا؟! 

 

الحُب إن كان بما يُرضي الله ورسوله إنّما هو رفعة وعُلو وسُمو وتقدّم وسِعة، لا تجرّد من القيم فيه، لا بكاء ظُلمٍ، لا جفاء ولا قلب مكسور.. الحُب هو أن يتّقي المُحبُّ اللهَ في من يُحبّ، أن يُعينه على نفسه وشيطانه ونوائب الدنيا، أن يكون معه في سرّاءه وضرّاءه، إن أخطأ صوّبه، وإن أصاب فرِح به، مُشارِكًا له فيما يُحب، داعمًا له لما يأمُل، سائرًا معه طوعًا في مسارات الحياة المختلفة.. داعيًا له لكل ما فيه الخير لدينه ودنيا.. 

أمّا أنا، فلا أعترف بيومِ عيدٍ للحُب، وأرى ببساطة إن كان الحُب حبًا حقيقيًا فكُلّ الأيام به ستكون عيدًا..

 

‏وهنا أقول ما قيل عن الرافعي، وهو من أكثر من أبدَع في الكتابة عن الحب:
«هذا الرجلُ كان عاشقًا غلبه الحبُّ على نفسه، وما غلبَهُ على دينِهِ وخُلُقِه..!» 



المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لأنّه كامنٌ فِيك

في يوم المرأة العالمي || المرأة المسلمة لا تحتاج للتمكين

الضربة اللي ما تقتلكش، تقوّيك.