عزيزي يا صاحب الظل الطويل || هل تُرانا نأمن؟


عزيزي يا صاحب الظل الطويل.. 

أحبّ الناس والتعرّف عليهم وأبحث فيهم دائمًا عن كنوزٍ مُخبّأة بين قصص حياتهم واهتماماتهم وأفكارهم، أحبّ النقاشات الحضارية وتبادل الآراء والأفكار، ومحاولة فهم نقاط الاختلاف بيني وبينهم، أحاول أن لا أكون حادة الحكم على أحد، ودائمًا ما تجدني أتفهّم الدوافع خلف مختلف التصرّفات والسلوكيات فيكون تفهٍمي حُجة لمعذرتهم كي لا يكون في قلبي غلًّا على أحدٍ من خلق الله من جانب، ومن جانبٍ آخر أعلم أنني شخص تملأني العيوب والتقصير من شَِمي كالجميع، فعندما أعذُر غيري، آمُل كذلك أن أُقابل بالمعذرة والعفو كي تسير مركبة الحياة بسهولة ويُسر. 

لدي الكثير من الأفكار والآراء حول العلاقات بالناس عامّةً، حول الصداقة، والقرابة، وصلة الأرواح والقلوب، والحُبّ، والأمومة، والإيثار والتضحية، والأخذ والعطاء، ولكنّي أعجز عن أن أشاركها! حتى معك أنت! وهذا أمرٌ لا يعنيك، فأنت مجرّد صديقٌ وهميّ، أحبّ فيك انصاتك لي دون ملل، وأتفهّم قلّة ردّك لعدم وجودك أصلا.. 

ولكنّي أريد أن أشارك أفكاري هذه دون ندم، الندم شعورٌ سيء يا رفيقي، تشعر أنّك قد ضمئت لأعوامٍ وأعوام وعندما قُدّم لك الماء لترتوي، خشيتَ أن يكونَ ماءً مسمومًا، فسكبته والدمع جارٍ من عينيك.. 

ولكنّي أريد أن أشارك هذه الأفكار، مع أمينَ الجانب، مع من أشاركه ليفهمني، ليشجّعني على الجميل منها، ويقف بجانبي ضدّ سيّئِها محاولًا معي إصلاحها وتقويمها. مع من لا يستعمل نقاط ضعفي التي كشفتها عيناي ضدّي! بل يحتويها لأجلي. 

ولكنّي أريد أن أشارك هذه الأفكار، حتى أشعر بارتياحٍ يغمرني، فكثيرها يُقلقني، ومعظمها يؤذيني، لا أبوحُ به فأهنأ، ولا أنساه فأهدأ.. هي فقط تخنقني، وهذا مُخيف! 

ولكن يُقال، بأنّه لا أحد في هذا العالم مُجبَرٌ على تحمّل إعوجاج أحد وإن كان يحبّه، ولا أحد مُجبر على إصلاح ما أفسده الآخرون في قلب أحد وإن كان بمثابة دُنياه! 

وأنا - حقيقةً - لا أتفّق كثيرًا مع هذا القول! وأرى بأنّه من دواعي المحبّة تجاه من أحبّ أن أحتوي ضعفه ونقصه، وأن نقوّم سويًا إعوجاجاتنا! وهل يوجد من هو غير ذي عِوَجٍ! وأن نُصلح ما أفسده الآخرون، فإن كان الآخر يُفسِد فنحنُ بكل حُبٍّ نُصلح. 

 

كلنا ضحايا لحياة قاسية، واختيارات خاطئة، واختبارات ثقيلة، وأيام مُرهِقة، وأشخاص غير أسوياء.. ولكن لعب دور الضحية جناية يجنيها الواحد منّا على نفسه، والجناية الأكبر هي أن يترك من يحبّ داخل هذه القوقعة دون أن ينتشله من وحل اليأس والاستسلام! 


عزيزي يا صاحب الظل الطويل، قلت لك بأنّي أحبّ الناس، والتعرف عليهم، وخوض النقاشات المختلفة معهم، ولكنّي مع هذا لا أقترب منهم، أخاف القرب، أخاف العمق، أخاف التعلّق.. شخص مثلي كثير التفكير والمخاوف، فائض المشاعر لا يقترب إلا حينما يطمئن، ولا يطمئن إلا حينما يحطّ برحال قلبه في قلب مُطَمئِن، لا خوف فيه ولا منه ولا حزن.. فقط الكثير من الأمان.


عزيزي يا صاحب الظل الطويل، يبحث الواحد منا عن ظالّته المجهولة، ثم يكتشف أن ظالّته المجهولة هي الأمان، فهل تُرانا نأمَن؟! 

الأكثر قراءةً

في عيدهم المزعوم

فاللهم أنت الصاحب في الحياة!

في يوم المرأة العالمي || المرأة المسلمة لا تحتاج للتمكين