عزيزي يا صاحب الظل الطويل || هل يُشقي الإنسان نفسه؟



عزيزي يا صاحب الظل الطويل... 
هل يُشقي الإنسان نفسه؟ أعني هل يتعمّد أن يُشقيها بطريقة ما وكأنّها عدوّ له؟ أو أن يُعاقبها كأنها وقد أجرمت؟ هل يملك الإنسان أن يُحزن قلبه وهو الذي يخاف عليه نسمة عابرة! أو أن يُرهِق عقله وهو الذي يتذرّع به عن بلاهة العالم ويختلي معه ليحتميا معًا من وطيس حرب القيل والقال والناس وأذيّتهم وقلّة آدميّتهم! 

لن أنتظر منك إجابة، فقد ألِفت أن تتركني دونما إجابات تزيح عنّي حمل الحيرة وتعمّدك المستمر في تركي بين مطرقة وجودك المُتردد وغير المضمون - ككُلّ الوجود الذي أحاطني يومًا - وسندان الحياة وقسوتها. وسأقول لك: 
إن الإنسان يكره أن يُشقى، ولكنّ الشقاء شرٌّ لا بُدّ منه على هذه البسيطة، فتجد الواحد منّا يختار شقاؤه بشرف وحب، كأن يختار الشقاء في سبيل قضية يؤمن بها أو في سبيل شخص يحبّه، لكنّه أحيانًا لا يُدرك أنّه ببعض أفعاله - ولا أفعاله - يُشقي نفسه كما لم تفعل الدنيا له يومًا.
 ولكي تفهم ما أرمي إليه سأضرب لك ببساطة مثلًا بي: 
أنا يا عزيزي شخص خائف، رغم شجاعته، متردد رغم إقدامه، هادئ الظاهر رغم ما يعتريني من ضجيج، أفكّر كثيرًا قبل كلمة أنطق بها أحيانًا خوفًا من أن يفهمني الآخر فهمًا خاطئًا، وفي أحيان أخرى كثيرة أخاف أن أُفهَم فهمًا صحيحًا! فأختار الصمت في المواضع التي يجب عليّ الحديث فيها، أصمت صمت الخائف المُرتاب. 
 غريب أمري، أليس كذلك؟ أحاول أن لا أكون واضحة ولكنّي أفشل، أحاول أن لا أكون كثيرة التعبير، كثيرة الحب، كثيرة العطاء، كثيرة الحماس، كثيرة الدموع، كثيرة "الدراما" كما تسمّيني صديقاتي ورغم محاولاتي أفشل!، فأنا على سجيّتي لا أحبّ تعقيد البسيط من الأمور البتّة، وعلى العكس تجدني أبسّط أكثر الأمور تعقيدًا بشكل مذهل، ولكنّي فجأة أجد نفسي أعقّد البسيط بطريقة لا تخطر على بال.
 أجد جزءًا منّي يخاطب الآخر: إن الأمر بسيط يا أنا لما كل هذا التعقيد؟ 
 فأُجيب نفسي: تُخيفني بساطته! فلم أعتد أن تتحقق لي الأمور على سعة وراحة ودونما تعقيد، فأصبحت أعقّد غير المُعقّد حتى عند ضفري به أشعر بأنّه قد كان يستحق معاناة مواجهة التعقيد الذي اختلقته أفكاري وواجهته بها كذلك.
فأنا على سجيتي - يا عزيزي - أحبّ الحياة والضحك والإيمان والفنون والشغف والكتابة والأدب والجمال والطبيعة والزهور والركض واللعب مع الأطفال والحيوانات، أحبّ كل ما يشعرني بطفولتي، بجمال قلبي الذي اختبرته الدنيا كثيرًا ولكنّه وفي نهاية كل معركة أخرج به أحمله عاليًا وأنا دامية اليدين والقدمين مُرهقة الوجه مُبتسمة الثغر ابتسامة الانتصار، بأنّي قد انتصرت وإن كانت الهزيمة نكراء والخسارة كبيرة، لقد انتصرت بقلبي، قلبي الذي لم يلوثه كل هذا الدّرن وكل هذا الدمار المحيط من كل جانب. 
كعادتي، أسهبتُ في الحديث.. لنعد إلى تساؤلاتي الآنفة، هل يملك الإنسان أن يُرهق عقله؟  
بالطبع، عندما يتركه للتساؤلات التي لا يجد لها إجابة، وعندما يحاول اختلاق الإجابات والأعذار والحُجج، ولكنّه في نهاية المطاف لا يقتنع بها لأنه يعلم بأنها ليس الإجابات الشافية لغليل كل هذا الرّيب. 
- وهل هو عاجز على أن يجد الإجابة؟
= غالبًا لا، طرح التساؤلات بكل وضوح وشفافية هو الطريقة الوحيدة التي يجب أن يتخّذها الواحد منّا ليجد الإجابة الشافية، ليهدأ ويسكن..
- لكن هل طرحها إلى هذه الدرجة صعب حتى أننا نتجاهلها ونعيش ليالٍ مرهقة بسبب تجنّبنا له؟ ولكن.. لماذا نتجنّبه؟ 
طرح الأسئلة ليس أمرًا سهلًا! يحتاج للكثير من الشجاعة والتسليم..
لكننا نتجنّبه خوفًا من احتمالية قسوة الإجابة، خوفًا من أن نسمع ما لا نريد سماعه، وأن نقرأ ما لا نريد قراءته. 
ولكنها تظل "احتمالية"! ماذا لو كانت الإجابة الشافية هي الإجابة التي نريد ونشتاق ونحتاج؟! 
 لكونها احتمالية نحن نخاف! الإنسان بطبعه يخاف الاحتمالات، وتجنّب الاحتمالات والخوف من طرح التساؤلات هو طريقة أخرى يرهق بها الواحد منّا نفسه وعقله وقلبه، فيترك نفسه بين نار الأسئلة المُلحة في عقله ونار احتمالية الإجابة القاسية.. فلا يهدأ إن لم يسأل، وربما لن يهدأ إن سأل.. وربما هَدأ إن سأل، حتى أنّه ربما يهدأ، ويهنأ، ويسعد إلى الأبد! 
لكنّه الخوف، لكنّه التردد، لكنّه الإنسان..  
وأنت يا عزيزي، أخبرني.. هل تترك نفسك للتساؤلات مثلي؟ أم أنك شجاع بما فيه الكفاية لسماع الإجابة التي لا تريد؟ ومُهيّأ بما فيه الكفاية لسماع الإجابة التي تريد؟  
عزيزي يا صاحب الظل الطويل، تعلم أن حديثًا بيننا لا ينقطع، لا تترك نفسك للتساؤلات، اطرحها دائما مهما كلّف الأمر ومهما كانت النتيجة، أن تُنهي صراعًا بهزيمتك، لأهون من أن تعيش الصراع للأبد.. 
لا تكن مثلي.. 
كُن بخير.

الأكثر قراءةً

في عيدهم المزعوم

فاللهم أنت الصاحب في الحياة!

في يوم المرأة العالمي || المرأة المسلمة لا تحتاج للتمكين