عزيزي يا صاحب الظل الطويل || لماذا نتمنى ما لا نعمل لأجله؟


 

عزيزي يا صاحب الظل الطويل..

 إن الواحد منّا يعجز عن بثّ شكواه، ويعيش ألمه وكثير أفكاره وحِيرته وسيّء مشاعره ومخاوف قلبه وحده، يحملها على عاتقه ويتجوّل بحثًا عن الأمان وعن يدٍ ممتدة تعينه على نوائب نفسه والحياة وكثير العثرات، يتجوّل بحثًا عن ركنٍ آمِن يُفضي إليه خلجات قلبه دون تردد وحيرة، وحينما يوشك أن يمسك تلك اليد، ويُلقي بكُلّه في ذلك الركن يجد الخوف حاجزًا يحول بينه وبين هدوء عقله وسكون قلبه، يخاف ألا يُفهم ويُكسر ويُخذل وأن يُترَك وحيدًا عند اعتياده الأمان.. لذلك يتّخذ ماهو عكس سجيّته درعًا يحميه من لُطفٍ غير معهود، وفائض شعوره المخيف..


عزيزي، إن هذه النفس غريبة، غريبةٌ جدًا، وكلما ظنّ الواحد منّا أنّه قد أدرك مداخل نفسه يتفاجأ بجهله التّام لها..

 ما معنى أن يتّخذ الإنسان قرارات عكس إرادته ويعيش مالا يُريد عيشه، ويتمنّى ما لا يعمل لأجله؟ ما معنى أن يكون الإنسان إلى هذا القدر كائن مترددٌ خائف لكنه يتّخذ أشجع القرارات وأصعبها؟ ما معنى أن يرغب الإنسان السهولة واليُسر ثم لا يلبث إلّا أن يختار الصعوبة؟

لا أجد تفسيرًا لكل هذا إلا لأنّه لم يأمن بعد، إنه يختبر كل ما هو محيطٌ به ليرى مدى صدقه وقوّته وثباته ليُقرر..
أيتّخذه مسكنًا؟ أيتخذّه متّكأً؟ أم ألّا يأبه به البتة؟


لكنّي هذه المرة، ولا أعدك ولا حتى أعد نفسي، لكني سأُرخي قبضتي، سأستسلم لأفكاري وكثير مشاعري وحيرتي وشجاعتي وضعفي وقوّتي، لأرى أين ستكون وجهة مركب حياتي هذه التي ما ألبث أن أأمن فيه حتى تعصف بي العواصف مجددًا! 

عزيزي يا صاحب الظل الطويل، أنا مجرد فتاة أعيش بقلب طفلة، أحمل الكثير من تجارب الحياة في نفسي الواسعة، وأفيضُ رحمة وحنانًا رغم خوفي وتعمّد قسوتي بعض الآونة، أحيانًا أرى الحياة كلُعبة غير عادلة وأحيانًا أخرى أعيش ممتنة لكل ما عصف بي، فلولا ما حدث ويحدث لم أكُن أنا، بكلّ هذا الحضور المُتعب وهذه الروح الحانية.. 

وأضيف أخيرًا، أنني اشتقت الكتابة لك، اشتقت أن تؤخَذ مشاعري وأفكاري على محمل الجدّ، وافتقد أن أثق بأحدٍ أتّكئ عليه بكل ثقل همومي فلا يُشعرني إلا بخفّة الحِمل وجمال المسير نحو الأمنيات الهادئة.. 

كُن بخير، ولا تُحمّل نفسك مالا تُطيق..

الأكثر قراءةً

في عيدهم المزعوم

في يوم المرأة العالمي || المرأة المسلمة لا تحتاج للتمكين

مراجعة رواية "الزنزانة" لـحمد هلال