عزيزي يا صاحب الظل الطويل || مسافة بين القلب والعقل.. مسافة التيه والبحث

 


عزيزي يا صاحب الظلّ الطويل..
أزعم أنّك نسيتني بعدما هجرتني حروفي جرّاء الركض في دوّامة الحياة لا المتناهية، وشتت فِكري كثرة مجرباتها وتلاعبت بقلبي عديد المشاعر المتناقضة، ورجّ نفسي كثير الصراعات وضعف الحيلة وانعدام القرار ومخاوف الرحلة والقلق من العواقب.. وآمل أن تكون سليمة.. 
لا أعلم حقًا إن هجرني حرفي، أم أنّي أتهرّب منه خوفًا من أن أضع حقائق نفسي بالكتابة والسرد نُصب عيناي، وحذرًا من أن أسرّب خواطري الشائكة فأكونُ عرضةَ العيان، وهذا مالا أحب أن أكونه! لكنّي افتقد الكتابة لك.. 
شخصٌ مثلي يفيض بالشعور والأمل والحياة والشغف والحلم والحب والرحمة، يتّخذ من القرارات أشجعها، ومن الطرق أصعبها، ومن الرحلات أشقاها، ومن الأحمال أثقلها، ومن المسارات أطولها؛ فقط حينما يأْمن نفسه ويؤمن بأنه مُراد كما يُريد، شخص مثلي يقع في حب المشقّة إن آمن بالوِجهة وأحبّها.. شخص مثلي كثير الحُلم لا يُريد من حلمه رفضًا أو كِبَرا! 
ولكّنه يا سيّدي منتصف الطريق وتساؤلات هذه المرحلة المُتعِبة، فلا أنت قُرب المرسى فيسهُل الاستسلام، ولا قُرب الوجهة ترى منارةً تُعلِن قُرب الوصول! مرحلة مُبهمة المشاعر، مليئة بالتساؤلات المُرهقة!! 
ماذا لو كانت تلك الوجهة غير المُقدّرة لي؟ ماذا لو كان كل هذا الألم والأمل والمحاولات وإن كانت خجولة، والخطوات وإن كانت صغيرة جميعها في الاتجاهات الخاطئة؟ ماذا لو وصلنا إلى الوجهة المُرادة وأدركنا أنها لم تكن لتستحق كل هذا العناء والتضحية إن علمنا حقيقتها وأننا كنّا طول الطريق واهمين؟! ماذا لو كان كل ما يُعاش ماهو إلا نتيجة بعض الحماس وقراراتٍ طفولية مليئة بخيالات الكرتون منطلقين بأنّ الحياة ستُهدينا - حتمًا - أضواءً في آخر النفق.. 
عزيزي، إن الأمل واليقين وحُسن الظن بالله ربّي وربّ العالمين لمن سلوى القلب وميسّرات الصعوبات، ورفاق طول السفر، وزاد الرحلة، وما عوّدني ربي إلا الجميل، وما عهد قلبي منه إلا الرضى.. لكنّها النفس البشرية، تأتي عليها الأزمان بكثير المعرفة والوعي عقلًا، وقلبًا يحاول الاهتداء.. وجوارِح عن الأداء عاجزة - وهنا يكون الواحد منا يعاني من "أزمة منتصف الرحلة" لا الاستسلام يشفيه، ولا كثير السعي يوصِله، ولا رقّة قلبه تسلّيه، ولا فطنة عقله تُنقِذه. 
عزيزي يا صاحب الظل الطويل، أدركت أن الاستسلام أحيانًا جميل، جميل جدًا! لا أريد أن أكون ضحية وجهاتي في الحياة إن كانت ستُرهِقني، أريد أن أسير بسِعة وأمن أحمل قلبي لا أخشى عليه خدشًا! 
ولكن يبقى السؤال هنا: لماذا يفقد الإنسان قدرته على تطبيق ما يؤمن به ويوقنه ويعرفه حقّ المعرفة؟ لماذا يعرف الواحد منّا أنه مخطئ ولكنّه يعيد ويكرر خطأه؟ لماذا كون الإنسانِ إنسانًا متعبًا إلى هذا الحدّ؟ 
ادعو الله أن يلهمني رُشدي، وينولَ قلبي مُناه، وعقلي الحكمة كي لا أضِلَّ ولا أُضَل.. 
تعلم أن حديثًا بيننا لا ينقطع وإن طال هجر الحرف لي، كُن بخير..

الأكثر قراءةً

في عيدهم المزعوم

في يوم المرأة العالمي || المرأة المسلمة لا تحتاج للتمكين

مراجعة رواية "الزنزانة" لـحمد هلال