عزيزي يا صاحب الظل الطويل || الاحتمالات مُطمئِنة..

 


عزيزي با صاحب الظل الطويل..
 
تجوّلت ليلتي الماضية بخيالي بعيدًا عن هذه الدنيا وواقعيتها مُفرِطة الحدّة، بعيدًا عن ما يسمّونه "المنطق" ومعادلات المعطيات الواضحة والنتائج الحتمية، فشخصٌ مثلي رأى ما رأى وعاش ما عاش كثيرَ الخوف والتردد والتفكير - لا يؤمن بالحتميات! وأعيش دائماً على الاحتمالات وأؤمن بأن "ربّما" هي الكلمة الفاصِلة المُطمئِنة رغم كونها مُقلِقة! ولكنّي أفضّل القلق على الطمأنينة الكاذبة كي لا أتعلّق بدنيا خاسرٌ من تعلّق بها. 
 ورغم تحذّري وترددي كثيراً ما تغلبني فطرتي وأجدني أتعلّق بأي بصيصِ أمل، ولكن سرعان ما يذكّرني عقلي بأنّه ليس باستطاعتي التأكّد من أي أمرٍ بسهولة وسرعة وإن كانت كل المُعطيات تُشير إلى صحّته وكل الطّرق مؤديّة إليه..  
كنت أحادث نفسي وأعود بذكرياتي الجمّة إلى سنواتٍ مضت، وإلى ليالٍ كان كلّ مافيها خذلان والكثير من الألم والدموع وسجداتٍ طوية كنت أدعو الله فيها بقلبٍ يشتكي ولسان تلعثم عن النطق فعجز عن التفوّه بأي كلمة، فقط لم يعجز عن ترديد: "يا رب أنت تعلم".  
فتذكّرت كيف كان جبر الله لي، كيف انتشلني من قاع يأسي وألمي بلُطفه وحُبّه خلال رحلة طويلة من التعرف على ذاتي وتهذيبها وتمكينها وضبط بوصلتها وتوبيخها وحرمانها، حتى وجدتني أخيرًا بعد طول انتظار وتعب سفر وضمأ، وجدتني ها أنا قد ارتويت بعد سنوات عجافٍ من البحث عن كياني وكينونتي، أين أنا؟ ولما أنا؟ وإلى أين أنا؟ فعرفت الإجابات أخيرًا كما أنّي آمنتُ يقينًا بأنّي لا أملكني، وأنّي مُسلِمةٌ مُسَلِّمةً كُلّي إلى واهبي هذه النفس..

صديقي.. اليوم وبعد أن عرفتُني - ولن أقول حقّ المعرفة - كلّما داهمني الريب وهاجمتني الأفكار وقلق المصير وشكوك المسار ونسيان الغاية، أعود إليه وأنا أعرفه بثقة وحسن ظنٍ، يقينًا لا شكّ فيه، أرفع يداي إليه أو لا أرفعهما، لا فرق، فهو لا يُريد منّي سوى صدق قلبي، وهو يعلم صدق قلبي لأنه وحده من علّم - قلبي - الصدق. 

أذهب إليه وأقول: تولّني كُلّي وكّلتك أمري ما علمتُ منه وما لم أعلم، وأنا على عهدك ما استطعت واستطاعتي لن تكونَ إلا بحولك وقوّتك، أعوذ بك من نفسي وشرورها ومن شياطين الإنس والجنّ، لم أعهد منك - إلهي - سوى الهداية والطمأنينة والسكون حتى في أحلك الوديان، لا تتركني لنفسي، لا تكلني إليها فأَهلَك وأُهِلك.
 
يُعيد ترتيب روحي وأفكاري ويُعيدُ إليّ طمأنينة قلبي وهدوء عقلي، فأجدني أقوى على المُضيّ وإن تداخلت الأحداث وغابت المعطيات وفشل الجميع في تكهّن النتائج والتعلّق بالحتميات والأوهام، فأراهم في حالة تخبّط وتساؤلات وتيه، وأنا، أنا كما هي ألعب دور المتفرّج المطمئن غير المتحمّس لنتائج المعطيات، فاقد الفضول تجاه آخر أسطر السيناريو؛ وكل شيء يُمسي في نظري "احتمال" - كعادتي - بينما بالنسبة لهم يصيبهم جنون فقدان "الحتمي" فبالنسبة لهم إما الحتمية أو العدم، وبالنسبة لي إما محتمل وإما محتمل.. والاحتمالان خيرٌ طالما أن اللطيف يُيَسّرهما. 

هذه أنا كعادتي كثيرة التعبير والتفكير ولا يزعجني كوني فائضة الشعور ومفرطة التفكير، وآمل أن لا تكون فوضاي هاته مُزعجة بالنسبة لك..
 وعلى الجهة المُقابلة وقتما أردت التعبير أنا هنا لاستمع، وإن أردت الصمت حتى أنا هنا لاسمع صمتك بل وأُنصِتُ له، فما حقّ الصديق على الصديق إن لم يكن معه في لحظات سكونه وصمته وقلقه؟ 

تعلم أن حديثًا بيننا لا ينقطع وإن تاهت بي الطرق، فلا تقلق تعلّمت أن أكون دائماً بخير، وأنت كذلك، كُن بخير وتعلّم أن تكون كذلك 🤍

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لأنّه كامنٌ فِيك

في يوم المرأة العالمي || المرأة المسلمة لا تحتاج للتمكين

الضربة اللي ما تقتلكش، تقوّيك.