كتابين..


 
أقرأ هذه الأيّام كتابين قيّميّن، - وقراءة كتابين في الوقت ذاته أمر مُشتت حقيقةً بالنسبة لي- ولكن لشدّة احتياجي لهما أقرأهما بحُب وسعادة تعتريني، حتى أنني لم استطِع تسبيق أحدهما عن الآخر لما فيهما من قيَم ومعاني تُحييني وتشذّ همّتي..
 

الأول هو كتاب "جمالية الدين" والآخر هو كتاب "وليتبّروا ما علوا تدبيرًا"..
الأول يتناول الإسلام من بابٍ قلبيّ ومفهوميّ، مُركّزًا على نوابض الحُسن وجوهر الجمال في الشريعة الإسلامية، ويتناول مفهوم التديّن الحق البعيد عن الخشونة والحديّة، القريب من الجمالية وكل خُلقٍ سَمْح، بل هو الجمال ومنبعه! 
 

والآخر يتناول قضية أساسية ومركزية في شريعتنا الإسلامية وهي قضية مقدّساتنا الدينية، تحديدًا "المسجد الأقصى" وتلك الأرض المُباركة، مسرى رسولنا عليه الصلاة والسلام، مهبط الأنبياء والملائكة، أولى القبلتين وثالث الحرمين..  

هذا الكتاب جمعَ بين البُعد التاريخي للقضية، وتصحيح مفاهيم خاطئة فيما تخص المسجد الأقصى والاحتلال، ومن الأحقّ بالأراضي الفلسطينة، وكذا البُعد الديني لها وواجبنا تجاه مقدّساتنا وأثر تعظيمنا له على قلوبنا، وكيف دافعت المقاومة عنه، وكيف قاوم الفلسطينيون ويلات الغاصب بالحجارة والسلاح والمحاولات المتفانية، بعزّة وكرامة وقوّة وهيبة.. 
كتابان، منطلقان من الشريعة نفسها، لكن!

ربما يرى من يجهل أن الكتابين متناقضين؛ كيف لقلبٍ واحدٍ أن يحمل من معاني الجمال والحُسن أسماها، ومن القوّة والهيبة والعزيمة أشدّها! كيف لإنسانٍ أن يعطف على قطٍ جائع ثم يلتفت وبكل فخرٍ قاتلًا عدوّه! 
لكنّه الإسلام، المنظومة الإنسانية المتكاملة، الحريص على أتباعه أن يُأَدّوا الواجب المُناط بهم أينما وُجدوا، وحلّوا، وارتحلوا.. 
 

ولهذا كُرِه الإسلام من أصحاب المدارس الفكرية المختلفة وحتى من بعض أتباع الديانات الأخرى؛ فتلك العقائد إما أن تُركّز توجّه أتباعها على الدنيا (عمل وعلمٍ وخطط وجهد واجتهاد) بمبدأ الغاية تُبرر الوسيلة، فيرتكبون أشنع الجرائم كي يصلوا إلى غاياتهم، أو أن تركّز توجههم دينٌ فقط (صلاة، صيام.. وغيرها من الشرائع) فيعيشون كالرهبان، فينسوا نصيبهم من الدنيا..
لكنّ الإسلام وحده، من جعل تابعه كاسبًا للدنيا والآخرة، فجعل عمله واجتهاده وخططه وعلمه - إن نوى - عبادة، وجعل وقتله لعدوّه- عبادة، وحبّه لأسرته وزوجته وأطفاله- عبادة، وإطعامه لقطٍ مشرّد - عبادة.. فلم تُجعل الجنة فقط للعاكِف، جُعِلت أيضًا للباكي قهرًا على جورٍ قائمٍ على أخيه البعيد آلاف الكيلوميترات! أو المُجاهد في سبيل الله بروحه، بماله، وبقلمه! 

وهنا لا يسعني سوى أن أذكر آية كريمة، توضّح حال المؤمن، حاله مع ربّه، ومع أخيه، ومع عدوّه:
{مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ ۚ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ۖ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا ۖ} 
يبتغون فضلًا من الله! 🤍
 

فاللهم اجعلنا على ثغرٍ تحبّه وترضاه، نعيش بقلوبٍ تخافك لكنّها متبلّدة أمام من لا يخشاك فينا!


المشاركات الشائعة من هذه المدونة

في يوم المرأة العالمي || المرأة المسلمة لا تحتاج للتمكين

لأنّه كامنٌ فِيك

في عيدهم المزعوم