إن أراد واتّخذ بالأسباب!


 

أؤمن بأن أكبر ما نُعانيه من مشاكل، وما نتكبّده من عناء، وتلك التفاصيل التي نبغضها، والمشاعر التي نحاول جاهدين انتزاعها من قلوبنا، وتلك التساؤلات التي نتوق موتًا لمعرفة إجاباتها - كل هذا هو بفعل أنفسنا لأنفسنا! 

هل إلى هذه الدرجة يحبّ الإنسان أن يُعذّب من يحبُّ ونفسُه؟ هل إلى هذا القدر كانت حياتنا سهلة مُيسّرة تخلو من مشاكل وآلامٍ ومُعضِلات حتى أنّنا أصبحنا نبحث عن مصادر همٍّ أخرى، ثم وجدناها في أنفسنا؟ في قلوبنا وأرواحنا وعقولنا؟

فأصبحنا نصارع أنفسنا، ونتصارع فيها، ونتضارب بين أفكارنا ومشاعرنا، ومنطقنا وعواطفنا، ففقدنا التوازن..

فكان همّنا الأكبر هو حماية قلبنا الخائف، الذي يهابُ كل شيء رغم ما يُظهِر من قوة، يرى بأن لا شيء ولا أحد يستحق أن يحتلّ رُكنٍ فيه! وإذا حدث - ودون إرادة منه - يقابله هذا القلب الصغير بردود فعل تُهلِك صاحبه قبل أن تُهلِك من يحاول وُلوجه!

وكان همّنا الآخر هو من عقلنا، رافِعًا توقّعاته، يعيش في عالمٍ غير العالم، يرسم خيالاتٍ مُبهِجة تارّة، وأخرى يأتي بأكثر الأفكار تشاؤمًا، يلعب بالذكريات  فيُذكّرنا بما تناسيناه، لنُدرك بأننا لم ننسى رغم المحاولات، فيجعلنا مُسَيطَرين، لا مُسَيطِرين!

وتلك الروح، نقيّة هي، تخاف أن يلوّثها السوء، فتنأى بنفسها عن العالم وما فيه من شرور، حتى لا تفقد البوصلة وسط كل هذا التّيه، حتى تكون على نفس وتيرة التوهّج والامتنان للحياة، ومشاعر الحب لكل شيء، وحماس الطفولة وابتهاجها..


وتلك النفس ككُل، ترغب لكنّها تمنع نفسهَا خشية أن تُخطِئ، لا تهرب إلا عند شعورها بالتهديد، ولا تنقضّ إلا عندما تتألم بشدة وتنزف خوفًا وقهرًا وتساؤلات والكثير من المشاعر المُربِكة.

 أما - هذه الروح - إن اطمأنَت، سكَنَت وهَدأت وأصبحت كطفلة تمضي وقتها في رسم أحلامها بالألوان، سعيدةٌ وراضية، تمشي بخفّة كما لو أن سعادتها غلبت جاذبية الأرض قدرةً، تضحك كثيرًا، تسرح وتبتسم كثيرًا، تبذل الكثير من الجهود بحُب، وتُطي بسخاء، وتحنو بعطف ولُطف، تشعر بقوّة لأنها تستند على حائط قد استقام بعد ميوله، وقد تقوّى بعدما كان هشًا، ولا يُسقطه أي سوء فهم أو فِكرٍ أو ظنون، لأنه أُسِّسَ على تقوى ورِضوان، بعدما أُسِسَ - في لحظة طيش - على شفا جُرفٍ هار!

و أما الحقيقة وعكسها، فهما بالكاد أعداء لا يجتمعان في قلبٍ واحد أو قلبان صادِقان، فكُل ماهو حقيقي دائمٌ ومُتبادَل، ومؤلم كذلك، وكل ماهو صادق لا يُخسَر ولا يؤدّي لخسارة.

 وإن أراد الإنسان أن يلوّن ما بهت، ويسترجع ما ضاع، ويرمم ما انكسر، ويعوّض ما خُسِر- استطاع، لكن فقط إن أراد واتّخذ بالأسباب!

 أما إن كان واهمًا، مُنهَزِمًا، يلعب دور الضحية، فيستحقّ بجدارة كل الألم، وأن يُحرَم الأمل والبهجة والدهشة والقدرة على المُشاركة.. ثم يحترق بذاكرته التي اختار وحده أن يحتفظ فيها بأجمل لحظاته بعدما حوّلها إلى مجرّد ذكريات تؤرّقه ليلًا، وتُرهقه نهارًا..


المشاركات الشائعة من هذه المدونة

في يوم المرأة العالمي || المرأة المسلمة لا تحتاج للتمكين

لأنّه كامنٌ فِيك

في عيدهم المزعوم