ذات لحظة..





ذات لحظة، عندما كنت أصغر عمرًا وفِكرًا وشعورًا، ذات قلبٍ أضعف وأحلامٍ تكبُرني كمًا وحجمًا.. اعتقدت أن السعادة هي الغاية، والهناءَ والرّاحة والسكون هم الحالات الطبيعية التي يعيشها معظم الناس، إلا من لم يكُن لهم حظًا وفيرًا من هذه الدنيا، واعتقدت من أحداث كثيرة توالت أنني من فَقِيري الحظ وقد كُتِب عليّ الشقاء، إلى أن أحقق الغاية الكُبرى، ألا وهي "السعادة". 


فكبرت عمرًا وفِكرًا وشعورًا، وقويَ قلبي وربّما اكتسب بعض القسوة أيضًا، وازدادت أحلامي حجمًا فاصطدمت بواقعٍ ضيّق مُحزِن، وإذ بي أتعلّم من الحياة شيئًا فشيئَا، فأعيشُ تارّةً في هناء وراحة وطمأنينة وتارّة في همٍ وشقاء. 

عشتُ لحظات متفرّقة كُنتُ فيها في أوجِ سعادتي ونشوتي لبعض المكتبسات الماديّة منها وتلك المعنوية شعرت فيها أنني الأسعد على وجه البسيطة حتى وددتُ لو أن بمقدوري أن آخذ من فيض سعادة قلبي وأسكبها في قلوب المحزونين، كما عشتُ لحظات أخرى خسرت فيها أصدقاء وأحبّة وأحلامٍ والكثير من نفسي.. لحظاتٍ كنت فيها في أعمق وديان حُزني أغرق حتى الاختناق ولا مُنقِذَ يشدّ يدي الممدودة وقلبي المُستغيث؛ فأضلمتْ الدنيا أمامي واسودَّت الحياة واعتقدتُ حينها أنّ خلاصي الوحيد هو الموت أو أن ينقضي هذا الكابوس باستيقاضي مع رنين المنبّه..


ولكنني أدركت أن الحياة لم ولن تكونَ يومًا على حالٍ واحد، وأنها في تقلّب مستمر. وأنّ السعادة شعور لحظيّ، كما الحزن، وأنها حالة تنقضي سريعًا ولا يمكن للسعادة -أبدًا- أن تكون غايةً وهدف، وأن البشريّ منّا لا يحتاج لأن يعيش سوى القليل من الحبّ والأمل وأن يرضى، يحتاج الكثير من الرضا لينجو. أن يملأ قلبه بالرضا والتقبّل والتصالح مع كل المحيط به ومع كل شعور أرادَه أو لم يُرده.. فلم أرى أكثر من الرضا باعثًا لأمان القلب وسكينة الروح وهدوء العقل.. لم يكن الرضا في قلبٍ إلا أزهره وأنارَ مسلكه وأعانه على نوائب الحياة وعثراتها.. 


فارضى بما قسمه الله لك، ليرضى الله عنك ويُرضيك.

 

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

في يوم المرأة العالمي || المرأة المسلمة لا تحتاج للتمكين

لأنّه كامنٌ فِيك

في عيدهم المزعوم