كمّل بقلبي..
بين مطبّات الحياة، حلوها ومرّها، أفراحِها وأتراحها والخسارة والكسب، تعلّمت دومًا أن أختار الخيار الأشجع لا الأكثر أمانًا مهما كلّفني من ألم واستنزاف، استغنيت عن حياة الركود تلك التي ظاهرها هناءً ومضمونها شقاء لمن يعِي ويُبصِر، واخترت أن أتجدد كل يوم، وفي ميدان المعركة اخترت دائمًا أن أكون في وجه المدفع لا أن أختبئ خلف الكثبان؛ فأنا أؤمن أن الحياة الحقيقية تكمن في المواجهة وقبول التحدّي أيًا كان!
لطالما وصفني من يُحيط بي بالشُّجاعة وأن لا مكان للخوف في قلبي، اعتبرت نفسي كذلك لمُدّة مضت عندما كان ما يُواجهني صغيرًا، صغيرًا جدًا كحجم قلبي وكفّ يدي؛ فلم يكُن يُخِيفني وإنّما كنت أستمتع بالمواجهة والتحدّي.
لكن ما يواجهني ضلّ يكبر ويسبقني وانشغلت أنا عنه في الحنوّ على قلبي وقلوب من أحب، فَنسيتُ أن أكبُر وبقيت هنالك حيث براءة الطفولة وكل ماهو حقيقي..
ومع هذا؛ احتفظت بظاهري الشجاع رغمًا عنّي، فهذا ما فرضه الواقع لا ما اخترته أنا طوعًا، أو بالأحرى لأقول: هذا ما اختاره أنا؛ لأنه لا مكان إلا للشجاع في هذا الواقع المُخيف.
ضلّت التحديات تكبر والمواجهة تزداد حدّة وميدان المعركة يشتعل مرة بعد مرة، وهذا القلب يزداد خوفًا ورهبة، يتقدّم خطوة ويعود ألف خطوة، تزداد خفقاته ونبضاته، يُجرَح ويلتئِم، يبكي كثيرًا، فهو مُتعبّ حدّ الإنهاك، مُتعَبٌ كمن فُرضَ عليه أن يقف ومُنِع عنه أن يتكئ أو يجلس، فقد اعتاد الوقوف اعتاده بالشكل الذي بات يرفضه ويمقته، وكل ما يريده الآن هو أن يلقي بنفسه في حضنٍ يحبّه ويمسح عنه دموع الوحدة والأسى فيُعيد لقلبه القوة.
ولأنّ هذا القلب يقتات على المواجهة؛ فهذا الحُضن لن يحرمه إياها بل يعده بأنه سيكون سندًا ومُتكأً وجليسًا ومنبع أمانٍ ومصدر قوّة وشريكًا في المواجهة، فحاجتك الآن تفوق كونها مُنحصِرة في يدٍ تُنقِذك من الغرق، بل وصلت حاجتك إلى قلبٍ آخر، قلبٍ جديد، قلب مُحِب يحتويك فتفوز بهِ على معركة الحياة.
وهنا يخطر ببالي حمزة نمره عندما قال في إحدى أغنياته المليئة بالألم والأمل:
"قلبي كان مقسوم وجعني، قُلتي قوم كمل بقلبي".