د.ابتهال الخطيب وقضية البدون.

 


عندي ألف قضية، وكلها يحلّها القانون..




أؤمن جدًا بالأثر الفارِق في تنويع مصادر المعرفة وأهدافها ومجالاتها حتى التّي لا نتفق بالكُليّة معها.


كنت أستمع لـ"بودكاست فنجان" والذي أصبح المفضّل في الآونة الأخيرة، وجدت ما وجدت..


باستضافة د.ابتهال الخطيب

وهي شيعية، علمانية، نسوية، ناشطة حقوقية ومجتمعية وإحدى مؤسسي منصة الدفاع عن البدون، و أستاذة أدب إنجليزي في كلية الآداب.


تُعتبر د. ابتهال من الشخصيات الجدلية - كما يعتبرها الكثيرون - بسبب ما تمتلك من قناعات وفلسفة مختلفة لمختلف المواضيع والقضايا، رغم أنها لا تعني أن تكون شخصًا مثيرا للجدل، ولكنها كذلك مما يعني - بالنسبة لي - أنها متشرّبة جدًا لما تؤمن به وتعتقده، وبغض النظر عن مدى قناعتي بما تعتقده وتراه لكنّي أُعجبت حقيقةَ بقوّة خطابها النابع من تجربة وتعمّق في المعرفة والقراءة وتكوينها إثر ذلك فكرَا خاصَا بها يُكسِبها القوة والجرأة لطرح القضايا والمناشدة بالحقوق وانتزاعها لها بالقوة إن تطلّب الأمر..


تناول المُضيف "عبدالرحمن أبومالح" عدة من المحاور التي دار حولها النقاش بطريقة عجيبة في الحيادية والدقّة رغم اختلاف قناعاته ومبادئه وقيمه عمّا تعتقده د.ابتهال بشكل كبير، فقد دارت الحلقة حول الإنسانية، الحقوق، القانون الكويتي، القراءة، الدين، العلمانية، الاشتراكية، فلسفة الحريّة.. وهذه في اعتباري قضايا ربما تكون متداولة وشائعة.


 ولكن القضية التي طُرحت وفي أكثر من نصف الحلقة والتي أثارت فضولي واستفزّت فِكري وحرّكت تعاطفي كما لم تفعل أي قضية أخرى معي سابقَا، هي قضية عجيبة، جديدة بالكُلية بالنسبة لي شخصيَأ وهي قضية "البدون" !!


إذ لحظة سماعي لكلمة "بدون" في الحوار فزعت لمحرّك البحث باحثة عن ما تخفيه هذه الكلمة الغريبة من مفهوم أو معنى، فظهر لي وافر النتائج والمقالات والمقاطع والأبحاث، فاكتفيت - مؤقتًا - بمقال في موقع "الجزيرة" بعنوان:

"البدون في الكويت" 

وسأرفق لكم رابط المقالة في التعليقات.


ووجدت ما يعجب منه العقل ويذهل!


البدون في الكويت هم فئة من السكان لا تحمل جنسية أي دولة حتى الكويت نفسها على الرغم من اعتبارهم أنفسهم أنهم مواطنون كويتيون بسبب معايشتهم للشعب الكويتي وعلى الأرض الكويتية لأكثر من خمسة أجيال مضت، ومع هذا تعتبرهم الحكومة الكويتية والقانون الكويتي أنهم "مقيمين بصورة غير شرعية"!


فهم يشكّلون حوالي 4% من سكان الكويت!


أقلية تعايش أوضاع صعبة في ظل التهميش الغير مبرر من قبل الحكومة الكويتية، مما أدّى إلى مآلات غير مرجوّة للحكومة اجتماعيا وأيضا من قِبل المنظمات الدولية الحقوقية بسبب ما يحصل لفئة "البدون" من انتهاكات إنسانية رغم قدرة الدولة على حل هذا الملف الشائك اقتصاديَا وسياسيَا بأبسط ما يمكن من الطرق.


فالذي نتج عن عدم تجنيس فئة البدون في الكويت غير إنساني وغير قانوني وعنصري جدَا جدًا.
فئة البدون محرومة من فرص حصولهم على متطلبات الحياة الأساسية التي يتمتّع بها الكويتيون، كالحق في الالتحاق بالمدارس الحكومية المجانية، والرعاية الصحية، وحق العمل بالقطاع الحكومي، والملكية العقارية، إضافة لتوثيق عقود الزواج والطلاق، والحق في التنقل بين البلدان بجواز سفر!!


ورغم المطالبات المتكررة سواء من المنظمات الدولية أو من المنظمات الحقوقية والمدنية المحلية ومطالبة "البدون" أنفسهم بالتجنيس - وهو حقّهم - كما يتضمّن القانون الكويتي وقوانين الكثير من الدول في العالم والتي تسمح بالمطالبة بجنسيتها، إلا أن كل المطالبات لم تجدي نفعَا من ثمانينات القرن الماضي "1980م" إلا ببعض التحرّكات البسيطة والخجولة جدَا من قبل الحكومة الكويتية!


فالأمر لم يستثني أحد من الضرر اللاحق بهم جرّاء عدم وجود أوراق تثبت هويّتهم، ولاتزال الأجيال الجديدة تُعاقب على ذنب أجدادهم في تخليهم عن أوراقهم الثبوتية عند دخولهم الحدود الكويتية قبل أكثر من 50 سنة - كما يزعم البعض أن هذا هو السبب - ولكن هنالك أسباب أخرى وجميعها لا يُبرر الانتهاك!


فلم يسلم الأطفال كذلك، فقد حُرموا من أبسط حقوقهم وهو التعليم المجاني رغم أن القانون الكويتي يضمن التعليم المجاني لكل الأطفال على الأرض الكويتية.

مما يؤدي على عدم حصولهم على فرص عمل وإن حصلوا عليها فإنها فرص سيئة جدًا.

مما ينتج عنه ظروف معيشية صعبة للغاية تنتهي بالواحد منهم وحيد، عليل، طاعن في السن وعند لجوءه إلى دار للرعاية يُرفض بسبب أنه من "البدون"!!



والقضية كذلك تأخذ منحى سياسي، فقبل الاحتلال العراقي للكويت سنة 1990م كان بعض من "البدون" يعملون في الجيش والشرطة، ولكن بعد تحرير الكويت من العراق تم إقصاء عدد كبير من البدون الذين يُعتقد بأنهم ينحدرون من أصول عراقية بتهمة تعاونهم مع الجيش العراقي!!



تنوّعت الأسباب، ومهما كانت فـ النتيجة للأسف مُحزنة..


قضية البدون قضية إنسانية، قانونية، اجتماعية، سياسية موجودة في معظم دول العالم ولكنّها مهمّشة جدا والكثير من الدول لا تفصح عنها ومنها السعودية.

 في الكويت مثلا الموضوع متداول وقابل للنقاش وهذا بسبب حرية الصحافة والخطاب والديمقراطية المزعومة فيها، بينما تفتقر السعودية لهذه الميزة!

ومع هذا ذُكر في الحوار بأن فئة "البدون" تعيش بشكل أفضل في الكويت من "البدون" في الدول الأخرى، فلنا أن نتخيَل مدى المعاناة التي يعانيها هؤلاء!


لا أخفيكم سرًا، القضية أثارتني حتى أنها أشعرتني ببعض الحنين لدراسة القانون حيث أني ربما كنت أثرت هذه القضية في إحدى الأبحاث في مادة ما، وإن لم أستطع الحديث عنها بين أروقة كلية القانون ربّما أتناولها بين أروقة مختلفة بطريقة مغايرة :')


ولا يسعني هنا سوى شعوري الجيّد تجاه د.ابتهال في تناولها هذه القضية وجرأتها في الحديث عنها رغم أنّها ليست من فئة البدون، ولكن تعاطفها وإنسانيتها نفتقده جدًا في عديد القضايا الشائعة حاليا، فما بالك بالقضايا التي يُقصد السكوت عنها!


ويبقى السؤال هنا، هل لدينا فئة "البدون" في ليبيا؟!


حقيقة لا أستبعد ذلك.






المشاركات الشائعة من هذه المدونة

في يوم المرأة العالمي || المرأة المسلمة لا تحتاج للتمكين

لأنّه كامنٌ فِيك

في عيدهم المزعوم