حينما يتعلّق الأمر بشعور

 



منذ زمن  ليس بالطويل وفي ذات الوقت ليس بالقصير، ولن أضع المدة ها هنا - كي لا أظلِم نفسي - معيارًا أقيس به ما أنا بصدد الحديث عنه. 

ولكن على وجه التقريب: منذ أن اخترت أن أتعلّم - لا أن أتعلم الكتابة والقراءة أو ما شابه - ولكن لأتعلّمّني وأتعلم ما يجري حولي لأكون يقِضة، فطِنة، لألّا أكون الفريسة، كي لا أكون ضحية الغفلة وعدم الفهم والتّغابي والسذاجة والبراءة المُفرطة، منذ ذاك الحين وأنا أحاول أن أكون تحت سيطرة العقل وسيطرة قراراتي التي اتّخذها بكامل قواي العقلية أو حتى بكامل جنوني وهذياني، فلا فرق، ففي الحالتين، وحدي من يحتمل مسؤولية هذه القرارات التي اتخذها بشكل كامل، فلا أريد أن يداهمني شعور بالندم بمثقال ذرّة أو ربّما أدقّ، لا أحتمل الوقوف على الأطلال، والندم على كل ما ذهب منّي مبتعدًا، سواء أكان ذهابه بمحض إرادته أو بسبب تصرّف طارِد بذر منّي - ربّما بدون قصد ولكن اعتدت أن يُساء فهمي واعتدت أن لا استمسك كثيرًا - ، وما لا أطيقه أكثر هو التحسّر والندم، يا لهما من مشاعر بشعة وقاتلة جدًا! 

وما يقتلني بشكل أعمق هو لعب دور الضحيّة والنظر للأمور بمنظار نملة والتعاجز عن إيجاد مخرج ومنفذ من كل ما يصيبني من قهرٍ وأرق وتعبٍ وإلقاء اللوم - كل اللوم - على كل شيء وكلّ أحد، عداي! 

فعلّمتُني - أنا - أن ألقي اللوم على نفسي في كل سوء يُصيبني حتى وإن لم يكن لي يدّ فيه! 

وهذا ما يدفعني وبقوة للبقاء بعيدة كل البُعد عن اتخاذ أي قرارات تهدد مشاعري بالخطر أيًا كان هذا القرار، طالما كنت أنا من يُحرّك اتجاه شراع المركبة! 


أؤمن بأني على استعداد أن أفقد كل شيء، كل شيء، وكلّ أحد لا يربطني به أي شعور..

ولكن، هيهات! 

فأنا ذلك النوع من الأشخاص الذي يكوّن روابط شعورية مع الأشياء، الحيوانات، وأحيانًا الناس..

الناس، آه! 

يحيطون بنا من كلّ حدبٍ وصوب، الشوارع، الأماكن، الشواطئ، المراكز، المستشفيات، الحدائق والجامعات!

وهذا - لو تعلم - هو أكثر ما يرعبني بشكل لا يوصف. 

"لو تعلم" لا أعلم من أقصد بهذه العبارة، أو ربّما أعلم ولكن أتظاهر بالعكس، ولكن أؤمن بأن الذي يجب أن يعلم كل ما يجول في خاطري هذه الأثناء في وقت متأخرٍ من الليل أثناء استماعي لسمفونية "ضوء القمر" لبيتهوفن، سيقرأ، وسيعلم، ربما القليل، ولكن سيعلم ما سأسمح له - أنا - بعلمه، وما دون ذلك يجب أن يكون نتيجة لبعض من محاولاته واجتهاداته..


حسنًا، إنني على يقين أن في كل شيء في هذه الدنيا خير وشر، جيد وسيء، جميل وقبيح.. كل شيء، عدا الناس، تحديدًا عندما يربطني بهم شعور ما! 


لا مانع لدي من أن أعرف الناس، أعمل مع الناس، آكل مع الناس، أقضي معهم القليل من الأوقات المسليّة، أتبادل معهم خبرة ما فائدة ما أو حتى نكتة ما!

لكن، حينما يتعلّق الأمر بشعور، فهُنا أقف متلبّكة، حائرة، خائفة، قلِقة، ومُفكّرة بإفراط، وهنا أقصد شعور واحد فقط!! 


يسهل عليّ أن أشعر بشعور سلبي تجاه أحدٍ ما - نادرًا ما أشعر بالسوء تجاه أحدهم - ولكن يعزّ عليّ أن أعطي أثمن ما لدي، يعزّ علي أن أعطي قلبي لأحد ما هكذا على طبقٍ من ذهب، فلا الذهب ولا أشباهه أثمن من قلب فتاة تستمد قوتّها، تعاطفها، حنانها، جمالها، رقّتها، حتى قسوتها والكثير منه! 

أشعر كما لو أنّه منبع ومنهل لأصغر تفاصيلي التي أحبّها وأقدّسها وأقدّرها حد الجنون أحيانًا.

فلا أحد يعلم كم عانيت وكم تأذيت محاوِلةً تأديبه وتهذيبه، فلا أحد يُدرك محاولاتي في ترميم كل كسر وجرح وخدش كان "الناس" السبب فيه، سواء بعلمهم أو بجهلهم لذلك، فلا فرق طالما كان هنالك شعور ما في لحظة ما بسبب شخص أو شيء ما !


لا أحد يعلم حقًا أي جريمة من الممكن أن أرتكب إن حاول الناس العبث بأثمن وأغلى ما أملك، قلبي، منبع نقمتي والكثير من القسوة إذا لزٍم الأمر. 

ولا أحد يعلم كم الحب والعطف والحنان وإلى أي سماء توصلنا "سويًا" أجنحة قلبي إن كان هنالك من يخاف على أثمن ما أملك كخوفي - أنا - عليه، قلبي، منبع كل ماهو جميل، حينما ينساب دون سلطان منّي لأن يكون منهل الجمال والرأفة والكثير..


أؤمن بأن كل مافي هذه الدنيا مؤقّت - كهذه الفانية -  ومُقدّر بمقدار مُحدد، ولن تكون مشاعري استثناء، كل مافيّ من إحساس هو إحساس مؤقت، وكلّما أدركت أنه مؤقّت كلّما زاد تقديسي له. 

وكلّي خوف من أن أبذل تلك المشاعر - المحدودة حتى وإن كَثُرَت - في السراب وأن ينتهي بِي المطاف وقلبِي موحش كبيتٍ مهجور وسط غابة كُسرت نوافذه وأبوابه بفعل رياح موسمية عاتية وأصبح مأوًى لشِباك العناكب وربّما كائنات مرعبة أخرى! 

وعلى العكس، أؤمن بأنه من الممكن الاستثمار في المشاعر كذلك، كما المال - مثلًا - وأن الاستثمار فيما نُحِس أهم بآلاف المرات من الاستثمار في بعض من المال، وأن القلب إن وُضِع بين يدان أمينتان سيُزهِر ويُثمِر ويزرع في بُستانه بذور أملٍ وحبٍ وعطفٍ وسلامٍ وسكينة..!


لهذا، يمتلئ قلبي خوفًا ويصيبه الذعر والهلع حينما يشعر بتهديد - ولو بسيط - بأنه بدأ يخرج عن سيطرتي ليُسيطر عليه أحد ما من مكانٍ ما في هذا الكون الفسيح، أخاف أن يكون "أحد ما" ليس أهلًا لهذه المهمة والتي لن أبالغ بوصفها بأنها سامية جدًا وربما خطيرة جدًا أيضًا فهي تتعلّق بـ "قلبي".. 


لهذا أتخذ وضعية دفاعية، وأحيانًا هجومية إذا لزم الأمر حينما يُهدَّد قلبي بشيء كهذه! 

فأنا أشعر كما لو أن هنالك من يحاول نزعه من بين أضلعي،غصبًا! 

أكره هذا الفعل - لو تعلم - أكره كثيرًا ألّا أشعر بأني أنا من يحرّك اتجاه شراع مركب حياتي، وأفكاري ومشاعري، بدون إرادة منّي، وأن أكون مجرّد شخص يعيش بشكل أعمى بناءً على ما يختاره شخص آخر أيًا كان هذا الشخص! 

ولكن ماذا لو كان تسليمي لسُلطة شراع مركبتي - لمستوى ما - لأحدٍ ما، بكامل طوعي ومحض إرادتي؟! 

سيحدث الكثير.. حتى إنني لا أستطيع تخيّل ماذا يمكن أن يحدث بحقّ! 


ولكنني كشخص اعتاد أن يكون يقِض وفطِن - ولا أخفيك سرًا - أن الأمر ليس بالهيّن ومُرهق جدًا في أحيانٍ كثيرة، ولكن يهون كل هذا الإرهاق مُقابل أن أحمي أغلى ما أملك، أن أحمي قلبي من سوء الناس وعبثهم العشوائي بقلوب بعضهم البعض وباستنقاصهم من قيمة مشاعرهم واستسهالهم الكراهية والأحقاد والسوء..


خوفًا من حرقة قلبي وانكساره، خوفًا من أي يصبح أرض قاحلة أو بيتٍ مهجور، ورغبَة منّي في أن يكون بستان أمل، وعطف، وحنان، وحبّ، سيضل هذا "القُليب" تحت سيطرة عقلٍ يخاف عليه حدّ التّلَف حتى يصيرا - كلاهما - في مرسىً آمِن، وفي ذلك الوقت سيتبدد خوفهما كما سيعُم عليهما الهدوء والسكينة والطمأنينة والكثير من الأمان..


ربّما.. للحديث بقيّة...

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

في يوم المرأة العالمي || المرأة المسلمة لا تحتاج للتمكين

لأنّه كامنٌ فِيك

في عيدهم المزعوم