"متربيين زين"





 

كثيرًا ما نرى آباء وأمّهات يدّعون المثالية في تربيتهم لأبناءهم وأنه لا وجود في هذا العالم لأبناء أكثر تهذبًا وأخلاقاً من أبناءهم المُصطفين، مُتحدّثين بثقة وتعجرف عن عدد الوجبات التي يتناولها الأبناء وعشقهم للنوتيلا والميلكا ووجبات ماقدونالدز KFC التي لا يستطيعون المضي في صناعة المجد دونها، وأسعار ملابسهم باهضة الثمن من "ماركات" عالمية، والمدارس الخاصة التّي يرتادونها، وعدد الساعات التي يقضونها أمام الالكترونيات والعاب الفيديو "بوبجي، فورت نايت..وغيرها" من مدمّرات العقول والنفسيات

 
 
 
فتجد الأب سريع الغضب ومن أتفه الأسباب يتحوّل إلى كلب مسعور، والأم تُلقي بالمناديل والأوراق من نافذة السيارة وفي الأماكن العامة كالمنتزهات والشواطئ والشوارع "تحسابهم حوش بوها"، وتجد الأب العصبي يتفنن في استعمال الألفاظ البذيئة وقت انفجاره دونما اكتراث للتلوث السمعي الذي يتعرّض له أبناءه "المتربيين زين"
 
هذه بعض الفئات البسيطة من المجتمع التي تتوهم بأنها تقوم بتربية أبناءها التربية السليمة الصحيحة، ناهيك عن الضرب المبرح والإهانات والذل الذي يتعرض له آلاف الأطفال في المجتمع.
 
أرى بأنه هنالك لَبس بين مفهومي "الرعاية، والتربية"  
ونجد الفئة الأخرى التي تحاول أن تبُث في قلب الابن "الرجولة" بطريقة مزرية حقًا وبجعله يُمارس السُّلطة والقوة على أخواته وذلك لعدم فهمهم لمفهوم "الرجولة".
ويحاولون خلق أمهات صغيرات خلال بث شعور المسؤولية تجاه البيت والأخوة والحياة في قلوب الفتيات الصغيرات، بينما من المفترض أنهن يقمن بعشرات الأشياء الأخرى القادرة على صناعة شخصياتهن لجعلِهنّ أمهات حقيقيات قادرات مستقبلًا..
والفئة الأخرى نجد بأن الوالدان يحاولان تعليم أبناءهم الأخلاق السوية بطريقة لن تٌجدي نفعًا لأن تلك الأخلاق لا مكان لها بينهم، فالوالدان لا يتّصفان ولو بمقدار ذرة بأي من تلك الصفات التي يحاولان تعليمها لأبناءهم، كما نرى أيضًا بأن الأب يعاني من مشاكل نفسية أدّت إلى جعله سريع الغضب بالإضافة إلى استعماله لكلمات بذيئة دون المستوى.
وكلهم يشتركون في شي واحد وهو أنهم يحاولون جعل أبناءهم "متربيين زين".
فمن وجهة نظري المتواضعة أرى بأن التربية رحلة طويلة، شاقة، متعبة، يسبقها الكثير والكثير من التثقّف والدراسة واصلاح المفاهيم والتعلّم حول التربية وإنشاء بيت سليم ومُعافى، وأبناء أتقياء أنقياء، ذوي أخلاق ومواصفات "المتربيين زين" الحقيقيين.
 
فالتربية تحتاج الكثر من الصبر، المحاولة، التكرار، التطبيق، التلقين وقبل كل هذا على الأبوان أن يكونا على قدر عالٍ من الأخلاق التي سيقتدي بها الأطفال دون إرادة أو اختيار منهم، لأن هذه هي فطرتهم، وعلى الوالدان فهم كيف تعمل نفسيات وعقول أطفالهم، وكيف تؤثّر الكلمات والتصرفات على أفكارهم، وغيرها الكثير من التفاصيل التي يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار، كالمعلومات والتصرفات المكتسبة من الحياة، والاعتماد على النفس والثقافة العامة وأمور دينهم، ومهارات عدّة وغيرها من الجوانب التي ستبني شخصياتهم وتنشئهم النشأة السليمة.
فالأطفال سيكبرون وسيكونون جزء لا يتجزأ من المجتمع، سيكون لهم تجاربهم واختياراتهم الخاصة، وتحدياتهم التي سيواجهونها وحدهم، وسيكون بالتأكيد لهم تأثير على الوسط الذي ينشطون به، وهذا التأثير يجب أن يكون تأثيرا جيدًا، والتأثير الجيّد سينبع من التربية الجيدة السوية، كما يجب التنويه على أنه للأطفال ذكاء وقدرات قد تتفوق على ذكاء وقدرات الراشدين وأنهم لم يُخلَقوا ليّمارس والديهم السُّلطة والحُكم عليهم والشعور بنشوة الانتصار عند أمرهم ونهيِهم، وإنما يجب توجيههم والأخذ بأياديهم إلى الجادّة الصحيحة واستثمار قدراتهم العجيبة في بناء شخصيات قوية، قيادية قادرة على أن تكوّن مجتمع أقل تخلُّفًا.
 
وأخيرًا على الآباء أن يُدركوا بأنهم سيُحاسبون عن أفعال أبناءهم ماداموا أطفالا صغارا خيرًا كانت أم شرًا..
فلنعمل على تربية الأبناء وانشاءهم النشأة الحسنة لضمان جيل حسن معافى..
وترى الفخر والتباهي من تلألؤ أعينهم أثناء حديثهم عن هذه الكماليات والرفاهيات على أنها جزء ضروري ومهم في رحلة التربية الشاقة والعمل على إنشاء جيل جديد يُقدّر معنى الحياة بأكثر عدد من السعرات الحرارية، وأكثر عدد نقاط في العاب الفيديو التي تؤهلهم لخوض غمار المراحل والمستويات الأخرى في اللعبة مُعجبين بعبقرية أبناءهم التي أتاحت لهم هكذا فرص عظيمة للتنافس ضد أبناء "متربيين زين" من دول أخرى عربية وأوروبية وغيرها في هكذا بطولات عالمية؛ ليرفعوا علم بلادهم وسط هذه الكوكبة المُضيّعة للوقت والعمر والقدرات العقلية والجسدية والمُكسبة للبلاهة ومستويات عالية من انعدام الأفكار السوية السليمة. 
وعلى الجهة المُقابلة فئة أخرى من الآباء والأمهات البسطاء والضانين أيضًا بأن أبناءهم "متربيين زين" ولكن بشكل مختلف، فهؤلاء مثلًا يُربّون أبناءهم على أن للولد صلاحيات وتراخيص أكثر من أخته منذ الصغّر، زارعين أفكار السُّلطة، والرئيس والمرؤس، المُسيطِر والمُسَيطَر عليه، أنك الولد "راجل الحوش" قادر على أن تأكل، تلعب، تخرج، تشاهد التلفاز أكثر من أخواتك الفتيات، وأحيانا أخرى وإذا تطلّب الأمر يستعينون به لمساعدتهم في عملية تربية أخواته بالضرب وأحيانا أخرى بالتوبيخ والإهانة، أمّا أنتن ففُرض عليكُن التنظيف والترتيب وخاصة ترتيب وتنظيف غرفة الأخ "الهمجي" الذي اعتاد على أنه لا يُحاسَب على شيء، بل يُحاسب أخواته الفتيات على الصغيرة والكبيرة لأنه "راجل الحوش". 
وعند فئة أخرى.. هنالك الوالدان الذين يُعلّمون أبناءهم بأن الصوت العالي عن حدّه من قلة الأدب والإحترام، وأن القاء المخلّفات على الأرض ومن نافذة السيارة تصرّف مشين، وأن استعمال الألفاظ البذيئة ليس من الأخلاق الجيدة، وأن الله لا يُحب السارق والكاذب..وغيرها من المثاليات الأخرى التّي يدعيانها دونما تطبيق منهما
 وأمّا والدتهم تحترف اختلاق الأعذار وتكذب وتسرق النقود من محفظة زوجها ضنّا منها بأن أبناءها "صغيرين ومش زابطين" ولكنهم يدركون كل ما يحدث حولهم، مشككين في مصداقية والديهم وقيمة تلك المبادئ والقيم التي يُحاولان تربية أبناءهم عليها دون جدوى ودون تطبيق منهما. 
 
 
نرى أن الفئات الثلاثة وغيرها من الفئات الأخرى تحرص حرصًا شديدًا على أن تطعم أبناءها، وتهتم بصحتهم وملبسهم ونومهم باذلين مجهودات خارقة في جعل أبناءهم في وضع جيّد وحياة كريمة ولكن وللأسف الشديد يحسِبون أن هذه هي التربية، فكلّما زاد مأكلهم ومشربهم وملبسهم، زاد مستوى تربيتهم، وبهذا يكون الأبناء "متربيين زين"، والعكس.

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

في يوم المرأة العالمي || المرأة المسلمة لا تحتاج للتمكين

لأنّه كامنٌ فِيك

في عيدهم المزعوم